Sunday, October 9, 2016

تلاقيطُك تغدو (۱)


أم ما هذا الذي يُكَّذِبُ لونه في العين غير جَلاد أَعْذَرَتهُ صُورَتهُ في القَتلى، وما القتلُ قولاً إِلا واحدٌ وما الواحِدُ نَظَرَاً إِلا سَحْنَة.

أَرَقتُ دمي في الكلام الحق على لونِ الدمورية: قراءة، كتابة، مشوار بالأيدي، رف مهتوك، كتاب مرجوم، زحفٌ خفيف، جسدٌ جسد، مسدٌ مسد، شاطئ يبكي راحَتَيّ، أخواتي يختنقون بالنيئة، مُرتفَعٌ أعلى الكتف الأيمن من التشنج على الكيبورد، براءة من شدة التوتر، قلقٌ في الجبة وهواء تحت الجلد يغنِّي مروراً مروراً إلى القلب الخافق رغم الجثة.
لا أريد أن أُكذِّب أكثر، أُريدُ أمضغُني، ثُمّ أُريدُ أمتدُّ بمحاذاة آلةٍ جبَّارة تقدُّ المسبار، أُريدُ لهذه الأيام الفاسدة أن تُزْهِرَ ما يجدر بها من عَصَويَّاتٍ جديدة في وظائفها، مذهلة من فرط تشابهها في التركيب. ما أريدُهُ لا أُريدُ أن أريدَهُ وهكذا تتفَحَّمُنِي هيئاتٌ متحجرة ما عَرِفَت النبات وما عَرِفَت الحريق وما عَرِفَت ما بينهما من فعاليّة يُمكِن اكتسابها. أكتبُ بطريقة غريبة؛ طريقةِ مَن لا يَرَى وأن لا يُرى، وإصراري عنيد يجعلني أرفعُ عيني أحياناً من الكيبورد إلى الشاشة، نعم، تبدو نظرة طفيفة، ولكنها هائلة الخيانة، حمَّالة  الفَظَاعَات المُعْجِزَة كنَقْلِ المعرفة وقَتلِ الخارج وتعظيم الشُعراء. إِنني داؤود مُلانٌ في الحديد وإِنني الحديد يُعْجِز داؤودَهُ وإِنني رُسلٌ، ملآنةٌ بِشُهرتي في نفسي، وهذا اكتسبته بأبجدية فقيرة عند مقارنتها بما يَحُوجُ هذه القشريات التي تنمو مَهُوْلَةً مهولةً مهولةً مهولة كلما أصابتني فكرة وأصَبتها. لستُ ذكية، أظنني أتذاكي، لا أتذاكى، وما يُدريك لعلني أتذكَّأ، لا اعرف ما الذكاء وليس الحدس بملجأ وليس لتوطين ما بينهما أَمان. أُسرفُ في المساومة أن الكتابة مضمار الحِراب التي انطلقت من غريزة المعرفة والتفافي حولها وهذا ما جعل الجنون عصياً، وفي لحظات أنشد السهولة أصبح أنعم من أنعم الخطامات المطلوبة للإلتصاق بها. ذاكرة مخيفة لما ... لا أدري، تخيفني جداً، هذه التي تجرجر ما ورائيةً ما، أقنعة صوفية، "آنا" ولسانها وتلك الليله التاركوفسكية و may I?. اقتليني ببطء. لملمي البطء من شظف سمائي لأنها معتادة على ذلك، تفادياً تفاقمياً للإحراج. فإن كان ذووك فيني غمسوا نصالهم في لساني فإن لثغته أشفى من أن تراهم وتحدس فاغر الميت، مَن تمثلتُ صميمه فشاركتني الحيوات انمساخها المُجسَّد. لستُ ألعوبة ولستُ لأمرر هذا وإن كان تشريحي التلسكوبي أسفرَ عن غطاءات سلك كهربا، لستُ خريفك، لست أنجعُ من ضمادات خيالك ولستُ إسرافك. هذا ليكون، ولكن حين الكلام ينبع في أول حلقي زيتٌ راجع، يرفع الحلق فلقتيه كمثل الأكف في الدعاء يحدث هذا فيسيولوجياً عند كل بلع ويبدأ البلعوم دوديتهُ، والدعاء مكان بوتنشيالي أشبه بالتجويف البلوري لا يتمايز إلا عندما يمتلئ هواءً، ماءً أو صديد. لا أدري أفي ذلك افتضاحه أم سماحه ولكن آثرتُ أشاركك الدودة الهائلة النَّعسة التي تنام على خط الأفق الموشِك القيام سداري منتصف كتابي المفتوح، وإن كان لا بدَّ لي، فأريد أخنقك وكلي أظافر حراشف دبابيس عظمية ومفصلات غضروفية تعصر اللحم، ولكن إلى حين أن أصير ذلك، سأقتلك وأقتلني بالألفة، ينبغي أولاً أن أكمل صيرورتي كخازوق ولا بأس إن شاعت على سطحه الجميل نسخة مكرورة من بكتريا عصوية –أيضاً- مجنونة لغرض العواطف، هذا، ولو حاولتْ أي نسخة خرقاء منا أن تغسل التجويف البريتوني المريض المخمَّج العاصف لن تستطيع أن تفعل إلا وتنشر المرض، ثم رَفْعُ مرتبة الالتهاب إلى السرطان في شبهات التشاخيص وما إليه من استعراضات. سأدوِّم وأُدَوِّم عواءً دائرياً، انمساخ المسخ كمفاجأة تواصلية، أصرُّ على لمعة عيوني في البكاء فلماذا لا أكتب؟، أتنمَّر على الانمساخ المضعضع، أتشرذم في إتجاهي، أعلك أحقية أيما نجاة بضرسين من توحُّش، ضميري يتوَّعى بثقل، أنزعج بتفاضل، أكرهني أحبني أكرهني أدلعني ألعنني، أشمِّر عن العلاج كماله، ألعقُ مرضي فتستطيب الوصمات، أعلم أسرفني بهذه اللستة، هل قلتُ السوستة؟ أعرف ذلك ثم أواصل، أدرأ الـ أه بسهولة العواء عسى أتمغنط، أخطط للصورة متاهة اختفائها، أتناوب عليّ في شرب بولي وصديدي، استعمل النظر كغربال مصمت، ويحي يشطف يأسي يُغرق وعيي في كبوات جديدة ويسنُّه، أهتف كنبات حتماً، لا أحب جزائي، أدوس لحمي على مجهولي كدبوس ضاغط فتزداد على نفسي قطع غيارها. لا تقحميني في صِدامك فلستي بومة ولا نيمة ولا أطلس ولا بُرمة ولا معادلة ولا استهتار، أنا أحمق مَن يُداريك بالأنا الأكثر كِضِب، بشبر انتقامي بليد زائد في مكاواة قبر التصديق. والآن تلين جمجمتي باشتعال الحمى، أُدفَنُ مع نفسي، حرابُ شكواكِ يا لعنة يا رندا تتزاحم إلى النافوخ ومباشرة..
لا يعرفُ الموجوع أضلاعه، فقط تتكالب عليه ببطء متواتر، تمحوهُ، تتنفس الأسنان من لظى تنفسه، تتوحدن لذة ألم أرض بطن الحامل الواصف سفاحاً بمواضعها المخيفة. وضاغطاً يشبه مجهوله، يترجل عن نفسه إلى شرفة الحسبان. النمو بالملاحظة يكشط نموذج الموت بجرعات، يفصِل المخلب عن طرفه الحامل، وبفضائحية يزلق الجوف مُمَزمِراً الجسد، يترك الأمر يتلوى في الشأن، ثم يُخفي لسانه وروبَهُ وضب ضبوبيته ثوراً في مستودع الخزف المسمى جسد. الموت موت تلك المثالية والواقعية بكلمة واحدة. وقبل أن تنسي مكانك، اسرقي منه مكانك، لا خوفاً من ذيولك ولا الذكرى الآسفة ولكن جيرورة مشتولة تحت مرحاض أنتي فوقه وهو يسابق هضم اللحظة للحمك ولحمها، والقصة الواحدة المكررة إياها.. والضيق واسع، أصلو ما بتلحق إلا في كأنو معنى، ثم الخزي، ولو كنت نزيف كان جاملتني المواعين ولكني أتجلبط وأتجلط وأصر وأجأر وأغطس وأنسى أمراً عظيماً وأتأستك، وجود الغائب الكامل يُصمِت مسمعي، إشراقية اليأس في المواظبة، الإنفاق، كهانة الشأن المفقود وما قاب قوس الأذى وما يخبُّ في الرمل المطبَب اجتيازاً وحنجلة ـ ومن سرور أنملةٍ خبيثة فاضت كرعاف مارد تغرف من النظرة وتكبُّ في نظرة، وبينهما قبرهما... وياللملاين.
أشرقت الحمى وتبخترت حروفها على صفحات الفلقة الدامية المعكوسة على شبكية النضوج، سارَ أصيصُ الحب بالقدم المبتورة، الكلام المشحوذ يهرد ستارة الوعي، تنميط، مغنطة، أشكال ليست كوابيس وليست أحلام، انتقام يتبارى في التخثر المستمر التفاعل المنعدم الديمومة الذي أوشك أن يصير دهناً من شدة استسلامه، والأتم من ذلك دُبارة تخينة من نسائل الأمعاء تريدُ توبيخي. وحينها، حين فوضى الملصقات البعيرية تلك، كنت الهبوب الذي يتشفى، وكنت الخدوش التي تعلن وما إليها من حماقات... يتنادى ممتنون عليّ إلى بطني، يتهامسون، رأيتهم وكلهم في شك من أن يتراؤوا لي، أويتعامون؟، ذلك أن فعلاً أصيلاً في حثهم أسفي - اعتذري، اعتذري .. - يلمز تأسُّف فعلي في انغماسه الأدائي ويقعد عنهم في مطبق مستور كالحرف الأبعد عن الكلمة ذلك الذي يقدح فيها بأريحية التكاثر اللامتناهي تكاثر اللغات السرطاني الذي يتلف مبادئ استعرتها من شعبوية كارثة وجودي، ويجعل اعتذاري مستحيلاً، ولكن هل تناميت إلى حد هذا الأثر الذي قد يُقرأ منه وإليه باليندرومياً وبنفس العاطفة. ها نحن في الـ يك في الإسنا في الـAll through في المنحنى التكراري للعذراء والموت الذي فضح العذرية في موتها وفضح الموت في ذرية وفضح انعمالي لهما بذات الميكانيزم الذي انعملت عنده ضدهما ويكاد رأسي يقع على الكيبورد ولكن الأخير متصادم مع عظمة جمجمتي التي خانتني لصالحه الجميل والقوي والذي من غير ندم. ما عارفة، زي متضايفة إلى حرف جر متسلح بكل التراكم وكل من استعمله ويستعمله وينوي استعماله وها إنني أتملى في انغماسه على كتفي لعله ينفخ في الشريح الذي فيني ما به يعتاش وما به يستجدي، لا، أظنني أفشل في كل ذلك، لأنني ممهورة بالهدر بغير أسف بل بشجاعة وإصرار على ظهر ذي المسغبة الذي يلوكني ويلوكها إلى ما لا نهايات العذر العذر العذر أغيثوني أغيثوني أكاد أمسك بباطن الضعف وفي ذلك قوة وفي ذلك انغماس للعاطفة في ذهانية الكائن المخلَّص، أَفتكُ أَفتكُ أَفتكُ من نحنحة الملل المهروس في ذهن المهلوس أقسى أقسى أقسى من رطب يمر على قلبي كلما داعبته الأغاني التي لي وللي واللي من التي للي الأغاني الأغاني لكنني وحدي في الـrefrain الذي يصر أنه مستجلب ومجلوب وجالب، كيف إذن أقصيه من دماغي وأقصيه إلى دماغي.. أصبحنا ثلاثتنا السفنكس المطرود، أنقذنا الخير ولكن بطريقة الثقوب، يحفر خبيثاً فيما ما ارتفعت به عن نفسي إليها وزاولتُ فقدانه البطئ المؤذي للنسخة السابقة مني يلهج بالعودة، ولو كنا سماءً لضِقنا ولكننا ضيقٌ يلهثُ وأسرٌ مفكوك.
حين ينصلح العالم ويتصالح مع معامل انتحاره الذي يستعمل لسانه طيلة المد، حين أستطيع التمييز بين السجن والسجين؛ أقصد حينما تتعالى حالاتي على حاليتها بغير التفكير بغير الحس، حينما أحقق جسمانية موجتي كاشتدادة تتوارى عن أخواتها بالظهور، حينما أنسى وأتذكر نسياني بطريقة المؤشرات لا الإشارات، حينما تنخمد ناري بنارها ونصير ألعوبة إيزيس العزيزة، حين أنجو من نجاتي وأمحو أثر المحو بسربية سراباتي كضخم متهايل يكشط المَلاحِظ قبل الملاحظة، وأصير في بحر العين التي تكتسب أوعية دموية جديدة قديمة جنينية ليس من فرط المرض ولكن فرط الحياة في المرض والمرض وأجرجر الأيام المسنونة إلى مضغتي ومضغتي عليّ عاكفة وزيتي كملان وأرففي عامرة بالوباء تتربص بالعالم، عالمي، يومي، الحمى والكيبورد والشاكوش وقلبي، حينها في الموت نرصدك، في الحصاد، وكيف إلا ذلك.