عندما
يمتدُّ زهوي شاملاً كل تلك المناطق المغلقة التي لم أكتبها، سينبعثُ صُنَّاع
الساعات في قرني الخامس عشر بأزيائهم الإستوريكية مُهَمْهِمينَ صلواتٍ تترى في صِدْقِ
مُعادلاتي وعدم قابليتها للتجذُّر والإثبات، سينعتون ولاءَهم لزيارتي بما قد يُدعى
الذائقة وستُسفِر زياراتهم المتكررة لغرفتي عمَّا يشبه الوحدة المكتظة والتي قد يَنْحَلُها
غيري فيني صبغة لعُتهٍ وبلادة.
سأُرسلُ
مَقصّاتٍ صغيرة على أطراف السِّجادة الـمُحلِّقة التي تحمل أفكاري إلى السديم الجمعيّ،
ستَعمَلُ الكلمات كالمناشير الزجاجية في العدسات الـمُتكَوِّنة على أطراف السِّجادة،
كقطرات النَّدى البلازميّ، مُفَتِّقَةً الأفكارَ إلى طيفها المنشوريّ، راقصةً حَوافُّها
وهي تدخلُ ذيّاك السديم الماجِد. وسأنحني بغير رجعة كالقَابِضِ الكرة الأرضيّة إلى
بطنه ومن فمه تنطلقُ كلماتٌ أخرى راقصة جميلة كأنها الاقمار، تتقصّع بغير مدار.
عندما
يمحقُ المكتوبُ ما "يُزيزِنُ" في رأسي وعندما تهدأ نظرتي الهوجاء إلى شكل
جمرة من فوقها رماد، وعندما تـ لا تتناظر فتحةُ فمي إلى شكل شفَّة عليا تمرِّرُ
المعنى وسُفلى تُمرِّر اللامعنى وبينهما يَخرجُ الذي ما بين الكَلامات مِن حُبِّ
ومنافسة، عندما تُرسِلُ أقَدامي نُسَخَها الحِبْرِيّة مُلَطِّخَةً تلك الجُزُر
العذراء مِن نَهَمِي وهِمِّتي، وعندما أُنيخُ الشِّياط على مُدرجَّات النُّضج المتحفيّ
ليراها الإيبوخ فيهربُ مُتصاعداً إلى حَدَثٍ يَشتاقُ أن ينرتق بُحدُثيَتهِ، عندها
سأنامُ في الرؤية شُعاعاً مُتجانساً مع أشباهي؛ مَن يتصَاعَدُ غناؤهم مُحيلاً السَّراب
إلى دماء ولَّادة.
لتكتبي
يا جهالتي المحُلِّقة فوق حقول الكائنات الـمُفضية إلى ما دون بِترولها، ليَكتُب
فيكِ مَن بالضَّرواة مُوشِياً طرائزَ للُّطْفِ في لحم الإنسان: فاعل ومنافر ولا
يهتمّ. ليكتُبنا استلافُكِ مِن جَوارِحِ الخَيَال الكَريمة مَا جَعَلَهُ مُدَجَّنَاً
في مَكَان الشيء مِن الرُوح، ليكتُب أزيزك الدَّامي ما يُرِيقُ العِظَام أعلى العَضَلَة
المتشنِّجة، ليُسَافر مُخَرِّطُوك الأنامل على الجَبْهَةِ المتعرِّقة المحمومة،
ولينسى أَريجُكِ تَنَفُّسَهُ يَضوعُ مِن غير وِصايةِ الميِّت، مُطَوِّعاً الجَمَال
الرَّاعف ألواناً لزجة، لا هي كلمات ولا هي لوحة، على مدارج المعبد الأضحية بغير
ما قسمةٍ، بغير طمعٍ أو ضغينة.
ياللشهقات
المأمونة السبب، ياللأسباب المنزوعةِ الدهشة. أرى مخلوقاً ينهشُ كَبِدَه، يتفلُ
ملحاً ويدمعُ دماً. أرى شَعراً يَفتِكُ جَمْرَاً بالبشرة، وما الأسود الهائج
مربوطاً إلى العَمَود والجمهور القرووسطوي يزمجر؟. تركتُها ثانيةً إذن حيلتي
الوحيدة؛ شَرّكت لي بجسدها تلك اللئيمة؛ واقتنصتني من عند الفراغ. سأظفر إذن من
عندها بما يحفر القبر بالعين المِعول؛ بنظرة مَن غَلَبَهُ التمييز فَشَرِبَ.
أناييس
في الممر، تُرعِدُ في مفاصل ركبتيها خَنَاجِرُ صغيرة، تمشي بتؤدّة المجروح الغاوية
نحوي. تشتعل السُّحب الفسفورية في سقف الممر المدولب قبل أن تَصِلَني. أحلامي مِن
نسيجٍ ممزق يتناسل مهاماً للرتق، ماذا سأفعل؟.
أناييس لِتَمُرَّ إذن، ثم ما يتبعها
مِن تراتيلَ أخرى مُسَنَّنَة.
ثم
انظرْ هذه العبارات القليلة التي تنتظم كالعقد الخانق حول أسري، تَمحُوهُ. أَنطَلِقُ
نحوها. أناييس تَبْلَعُ الممر، الممر ينبتُ مِن نظرتها في اتجاهي، نُصبِح سجينتي
ذلك المخروط من الرؤيا المتواطئة. أَنظرُ هذا الميناء السري، هذا القفر، ولكني لا
أَحنُّ أبداً أن أرجع أكتب من جديد، ربما أريدُ أن أُصَفِّق، أن أُصَفِّق بأعضاءٍ
مُعَمْلَقَة أَكثر مما يحدث لي. أن أُذهِلَ الأوركسترا .
يمضي
العَاجِزُ في سبيل مَضْغِ قُدراتهِ التي لا يظهر إلا فناءها، وهذا هو عَمَلُهُ
الوحيد، وظيفتهُ التي تَخْلُقُهُ وتنوب عنه في الصِّفات، وغيرِها مِن المجَسَّات.
والآن
الفتى الميّاس الرّصين؛ غَاسِلُ العَرَبَات في غيرِ هيكلِها.
تطريبُ
الحلوقِ الجَاموسيَّة ضِدَّ هواءِ مُكيِّفِ الما مَضَى. زَوَغَانُ الإبطِ على طول
الذراع تلتئم إلى الجذع بخيوطٍ رقيقة. غِطَاءٌ من فروةِ الذي انهرى ابتناءً إلى داخله.
أنامُ تحتهُ في الدفء. يستعملني كَقُمَامَة.
سأَهْرُبُ
لأكسبَ مزيداً مِن الوقت في عكس اتجاهِ هروبي، سأُفَخِّخُ لما دوني وأُطَبِّلُ لما
أعلى وأَمُرُّ على نفسي مَرَّ السِّحَابِ الـمُسافر إلى حتفهِ في لوحة.
رأيتُني
أَصعدُ أَنزِلُ في مبنى كبير عتيق، مَعَامِلُ قديمة ربما ومواسير صدئة...
فحتى
لو سلَّمنَا بأنَّكِ مَن أَبْطَأَ الحُوتَ في تَقَلُّبِهِ على الشوارع، أضحى ذلك
تفصيلاً دقيقاً فائضاً عند مُقَارَنَتِهِ بقلم الجِّدَّةِ المتدفِّق كل خطيئة مِن
لَدُنك تَلِدُ العالم في نُسخَتِهِ المحتملة، تَلِدُه مُتَهَدِّلاً جَاهِزاً، وتَلِدُ
وَبَالَ أَمرهِ كمَشِيمةٍ مَجدوعةٍ للكَدايس، ودون ذلك خَرطُ القتَاد، إذ لن
يستطيع أَحد أن يطمع في أن تكون له هذه الوجبة المُحمَّلة بأسرار الاتصال كلها.
قليلٌ
هو وينبت بين رعشةٍ وأخرى مَغشِّي عليها من شِدَّةِ الأحلام. كنتُ أغطِسُ معها
في بحرٍ مُلَوّنٍ وشعرها الطويل مِن أَنصَالَ حَادّة يُطَوِّقنا خُصَلاً مِن عند
الأعناق والمعاصم والكاحلين. كنتُ قد بدأت ذلك مِن منتصف البحر، كأنما نبتٌ خَلَقَتْهُ
جَمَالات حَركَاتِها فـ تَسَيدَمَتْ الأَمْوَاهُ خَفْراً وإعزازاً.
هل كان البحر ابني
أم كنتُ ابنة سفاحِكما القُربيّ المهيب، يُقطِّع الأبصالَ الجائرة إلى شرائح
مستعملة؟.
ليتقدَّم
الكُلُّ ما بيننا إذن، ليتقدمنا طَابِعَاً في الرِّيح خِنْجَرَهُ المريخ، فتعوي
عواء الـمُنجَبِرِ على الحَدْوِ الشهيدة المُمَتِّعة العَذَاب بعُذُوبة عينيها.
وددتُ
لو أَنفُضُ عن دمي غناء النحلة المخيفة التي يَتصلَّبُ عَسَلُها رُخاميّاً مَكَانَ
النّخاعِ مِن عظامي، وددتُ أن أَغفِرَ وأَهجُم في ذات الكلمة، وددتُ مُواءً أَندرُ
مِن بذرة هيدروجين مُتَساوية الأذرع كَذُوبُها، وددتُ أن أَغرِفُ من لحوم الفضاء
وأرمي في المدينة الشّرِهة أينما نَظَرتُها، وددتُ لو أَضرِبُ الصّاموطَ بانبعاثِ
الأشقى عندما يَتُوهُ الجحيم في العواء الصامت خَلفَ غياب النّبض وتَضَاريس الأسنان
المُكشِّرة عن الموت المُكشِّرة عن الحب.
كم
وددتُ أن أَقْفِز.